مع قدوم فصل الشتاء، كان تجهيز "مونة الشتاء" تقليداً متأصلاً في البيوت السورية، حيث كانت الأسر تحرص على تخزين الأطعمة الأساسية مثل ورق العنب، الملوخية، البامية، المكدوس، والزيتون استعداداً للبرد. لكن، مع تفاقم الوضع الاقتصادي، تحولت هذه العادة من ضرورة حياتية إلى حلم بعيد المنال للكثيرين، وفي ظل الظروف الراهنة، أصبحت عملية تجهيز المونة تجربة مكلفة وغير مضمونة. السيدة أنيسة أوضحت لموقع "بتوقيت دمشق" عن معاناتها في تأمين كميات كبيرة من البامية، الملوخية، والمكدوس، مشيرة إلى أن ضيق الوقت وانقطاع الكهرباء يجعلان من الصعب تخزين هذه المواد، كونها تعمل في القطاع الخاص، تجد نفسها في صراع مستمر بين متطلبات العمل وارتفاع الأسعار، مما يضطرها لتخطي خيار التخزين المنزلي. بعض النساء والرجال حولوا مهاراتهم في الطبخ إلى فرصة عمل، حيث يقدمون خدماتهم في تقميع البامية، تحضير الملوخية، وتجهيز المكدوس، ويقوم نضال بشراء الباذنجان بسعر 4000 ليرة للكيلو ويسلقه على الحطب ويبيعه جاهز بسعر 10000 ليرة للكيلو، محققا ربحا ماديا ويوفر على الأفراد تكلفة تحضيره على الغاز في المنزل. وفي هذا السياق، يشير أبو محمد بحسرة إلى الارتفاع الجنوني لأسعار المونة، حيث وصل سعر كيلو الجوز إلى 135000 ليرة، مما يجبر الكثيرين على الاستعانة ببدائل أرخص مثل الفستق العبيد، أما زيت الزيتون، الذي ارتفعت أسعاره إلى مستويات خيالية، فيتم استبداله بزيوت أخرى أقل تكلفة، ورغم ذلك، تبقى مونة المكدوس من أهم وأشهى أنواع المونة التي لا يجب أن تخلو منها أي مائدة، حيث أن تكاليف تجهيزها المرتفعة تجعل الكثيرين يلجأون إلى الاستغناء عنها أو يختصرون الكمية. وفي جولة على أسواق اللاذقية، لوحظ فروق كبيرة في الأسعار مقارنة بالعام الماضي، فقد وصل سعر كيلو الباذنجان إلى 4000 ليرة، بينما كان 5000 ليرة العام الماضي، وسعر كيلو الفليفلة الحمراء تراوح بين 10000 إلى 12000 ليرة، بعد أن كان 6000 ليرة في السنة الماضية، كما ارتفع سعر الثوم إلى 75000 ليرة، والجوز إلى 135000 ليرة للكيلو، مقارنة بـ 80000 ليرة للعام الماضي، ونظراً لارتفاع تكلفة زيت الزيتون يتحايل البعض ويستخدمون زيوت أخرى مثل زيت دوار الشمس أو زيت الذرة الذي يصل سعر اللتر منه إلى 25000 ليرة. أشار أحد تجار الخضار في سوق قنينص إلى أن الوضع الاقتصادي السيئ ومشاكل الكهرباء قد قضيا على فكرة تجهيز المؤونة لأغلب الناس، محولاً هذه العادة التقليدية إلى خيار نادر. ويتضح من خلال جولتنا أن "مونة الشتاء" في اللاذقية لم تعد مجرد تقليد، بل أصبحت مرآة تعكس الواقع المرير الذي يعيشه المواطنون، بينما تتحول تجهيزات المؤونة إلى رمز للرفاهية بالنسبة للأسر الميسورة، ويبقى الأمل في تحسن الأوضاع الاقتصادية وتحويل هذا التقليد من مجرد ذكرى إلى واقع ملموس يعيد الحياة إلى هذه العادة الموروثة. بتوقيت دمشق|| روز جبيلي